أتخيل الوضع لو توّحد العراق وإيران قبل أربعين عامًا، ولو توحدت سوريا ومصر والعراق، قبل ستين عاماً، في وجه الهيمنة الإمبريالية، لما حصل ما يحصل الآن من استباحة الدم العربي.
في فلسطين وغزة خاصة، دمنا مستباح وحلال، نُذبح أمام العالم أجمع وكأننا طيور يتم قنصها من صياد حقير يصطاد بهدف المتعة لا الجوع.
وسياسة التجويع الفاشية النازية في غزة، ترى وجوه الناس شاحبة والعيون ذابلة والضلوع نافرة، والعالم يتفرج.
اليوم بتاريخ ١٩ يونيو ٢٠٢٥ يدّعي الصهاينة تعرّض أحد مستشفياتهم (سوروكا) إلى صاروخ إيراني، الرئيس الصهيوني والصليب الأحمر أعتبروها جريمة حرب! والنتن ياهو يصرّح نحن نضرب مواقع عسكرية وهم يضربون المستشفيات، وهذا هو الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية وبين الحضارة والبربرية! نحن البرابرة وهم المتحضرون! كياناتهم التي قامت على الدم هي المتحضرة.
وماذا عن أكثر من ١٠٠ مؤسسة صحية تم تدميرها وقصفها في غزة، ولم ينطق الصليب الأحمر الدولي بكلمة! أهذه ديمقراطيتهم وإنسانيتهم؟
ثمانون عامًا والدم العربي يسيل كالشلال، وجاء الآن دور الدم الإيراني لتصبّ الدماء في نهر واحد، وبالطبع لن تتوقف أطماع الماسونية العالمية عند هذا الحدّ، بل سيأتي الدور على باكستان وتركيا، وعلى كل بلد عربي.
وكل المؤشرات تقول بأن تدخل أمريكا والدول الأوروبية الكبرى بشكل مباشر في العدوان على إيران أمر وارد.
وهم أصلا يدعمونه سرًا وعلانية، لأن هذه سياستهم منذ الأزل، وهذه ديمقراطيتهم وحقوق الإنسان بالنسبة لهم، أسلوبهم المكر والخداع والكذب واستغفال الآخرين.
إن قرار ضرب إيران تم اتخاذه منذ زمن طويل.
والأحداث والوقائع التي نراها توكّد أنه لا توجد ديمقراطية حقيقية في أية دولة غربية، فما بالنا بالدول العربية، لكن طبعاً المسألة نسبية.
لذلك نتساءل ما الفرق بين الدكتاتورية والديمقراطية؟ وأية ديمقراطية يريدها شعبنا العربي؟ هل الديمقراطية على الطريقة العراقية أم السورية أم التركية أو الإيرانية ؟
وأية ديمقراطية تريدها أمريكا لنا؟
هل هي ديمقراطية المساواة الحقة في الحقوق والواجبات؟ أم ديمقراطية الفوضى والموت والدمار؟
من الواضح أن العدوان الصهيوني على إيران، كان بموافقة ومباركة أمريكية أوروبية، ومن الواضح أن النتن ياهو ينتقل من حرب إلى أخرى من أجل أهداف شخصية وسياسية.
إن اتباع سياسة القوة، لإجبار كل من حماس وإيران، على التفاوض وهم في حالة ذلّ وضعف واستسلام، ورقبتهم تحت حدّ المقصلة سياسة فاشية فاشلة، تحت وطأة الحصار والتجويع والقتل.
العدوان على إيران يصاحبه مزيد من القتل اليومي والتجويع والتهجير والإبادة الجماعية في غزة.
ومع ذلك فإن كل الجرائم التى يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الإنسانية، في نظر أمريكا لا تمس الشرعية الدولية ولا علاقة لها مطلقاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يُطلق عليها جرائم حرب أبداً!
يقلبون الحق إلى باطل والعكس صحيح، يعتدون على إيران وسوريا وفلسطين والعراق واليمن ولبنان، ويسمونه (دفاعاً عن النفس)! يصبح المعتدي هو الضحية!
أمريكا هي المسؤول الأول عن كل هذه الجرائم، والكيان الصهيوني ذراعها المتطاول في كل مكان.
حاكموا صدام على اضطهاده وقتله قوميات من الشعب العراقي مثل الأكراد والشيعة، وحاكموا الأسد والقذافي وقبلهما هتلر، وغيرهم من الرؤساء، لكنهم لم يحاكموا قط أي من قادة الكيان الصهيوني، على القتل والتدمير والإبادة الجماعية لشعب بأكمله!
هذا هو المكيال الأعوج.
فإذا تجرأ الكيان الصهيونى على إيران، فإن كل الدول العربية تحت مرمى نيراهم بكل بساطة.
وأنا ممن يؤمن بأن الديمقراطية لا يمكن أن تأتي عبر دبابة أمريكية أو روسية، لكن أؤمن أيضا إن الديمقراطية ليس لها علاقة بمسمى النظام السياسي ملكي أو جمهوري، بل لها كل العلاقة بممارسات وأفعال ذاك النظام.
وديمقراطية أمريكا وأوروبا تعني حلال لهم ما هو حرام على غيرهم.
حلال عليهم العدوان على كل دولة والفتك بالشعوب، وحلال لهم امتلاك كل أنواع الأسلحة وخاصة النووي، وحلال عليهم سرقة الأراضي واحتلال الدول، وإذا قاومت الشعوب هذا الذلّ والهوان أطلقوا على المقاومة مسمى إرهاب!
أمريكا والدول الأوروبية المساندة للكيان الصهيوني هم الإرهاب الحقيقي.
هذه ديمقراطياتهم العريقة التي يتشدقون بها والمُفصلّة على مقاساتهم فقط.
بئسًا لكم، ستنذبكم كل الشعوب حتى شعوبكم أيها المجرمون.
--------------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة